ارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية في بداية تداولات أمس الخميس في أعقاب صدور بيانات اقتصادية إيجابية فضلا عن تقييم الأسواق لقرار الفائدة، في بيانه الرسمي، قرر الاحتياطي الفيدرالي رفع معدلات الفائدة بواقع 25 نقطة أساس إلى نطاق 4.75% و 5%، مقابل نطاق سابق بين 4.5% و4.75%.
وتعتبر هذه الزيادة التاسعة على التوالي في معدلات الفائدة الأمريكية منذ بدء دورة تشديد السياسة النقدية الحالية في مارس من عام 2022.
واكد الفيدرالي أن النظام المصرفي الأمريكي سليم وقوي، موضحًا أن التطورات الأخيرة من المرجح أن تؤدي إلى شروط ائتمانية أكثر تشديدا وصرامة بالنسبة للأفراد والشركات الأمر الذي سيؤثر بدوره على النشاط الاقتصادي والتضخم.، وتراقب لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية البيانات الصادرة وتقييم الآثار المترتبة على السياسة النقدية، نتوقع أن بعض السياسة المتشددة الإضافية قد تكون مناسبة من أجل الوصول إلى موقف مقيد بشكل كاف لإعادة التضخم نحو المستوى المستهدف بنسبة 2%.
وأشار الفيدرالي إلي خفض توقعاته للنمو الاقتصادي في العامين الجاري و المقبل، متوقعًا زيادة إضافية واحدة لمعدلات الفائدة هذا العام حيث يرى أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سوف يسجل نمواً بنسبة 0.4% في العام الجاري مقارنة بتوقعات سابقة صادرة في ديسمبر بنمو 0.5%، كما خفض توقعاته للنمو الاقتصادي في العام المقبل إلى 1.2% من 1.6% سابقاً، لكنه رفع توقعاته للنمو في عام 2025 إلى 1.9% من 1.8% في تقديرات سابقة، علاوة على ذلك، خفض الفيدرالي توقعاته لمعدل البطالة في العام الجاري إلى 4.5% من 4.6% سابقاً، لكنه ثبت تقديراته في العام المقبل عند 4.6%.
وجائت توقعات معدلات الفائدة، ثبت الاحتياطي الفيدرالي توقعاته لمعدل الفائدة هذا العام عند 5.1%، ما يشير إلى زيادة واحدة إضافية، لكنه رفع توقعاته للفائدة في عام 2024 عند 4.3% مقابل تقديرات سابقة بلغت 4.1%.
وجائت تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” إنه من غير المحتمل التحول لخفض معدلات الفائدة الأمريكية هذا العام، مشيرًا إلى إمكانية مواصلة رفع الفائدة وعلق في مؤتمر صحفي قائلا: “إذا كان هناك حاجة لرفع معدلات الفائدة، فإننا سنقوم بذلك، في النهاية، سنقوم بكل ما يلزم لإعادة التضخم نحو المستهدف”.
واضاف”لكني أعتقد أننا نشهد احتمالية حدوث تشديد ائتماني في الوقت الحالي نتيجة المشاكل المصرفية، وهو ما قد يحل بديلًا عن رفع معدلات الفائدة”، وأنه في حال استمرار الاقتصاد كما يتوقع صانعو السياسة، فإنه لن يكون هناك أي سبب لخفض معدلات الفائدة في العام الجاري.
من ناحية أخرى، كشفت بيانات اقتصادية صادرة أمس أن عدد طلبات إعانة البطالة الأولية في الولايات المتحدة انخفض إلى 191 ألف طلب في الأسبوع الماضي من 192 ألف طلب في القراءة السابقة، بينما توقع المحللون ارتفاعها إلى 198 ألفاً.
وعلى صعيد التداولات، ارتفع مؤشر “داو جونز” الصناعي في أمس الخميس بنسبة 1.3% (نحو 435 نقطة) إلى 32465 نقطة، وصعد مؤشر “إس أند بي 500” الأوسع نطاقاً بنسبة 1.6% (حوالي 64 نقطة) إلى 4001 نقطة، وارتفع مؤشر “ناسداك” بنسبة 2.3% (حوالي 265 نقطة) إلى 11934 نقطة.
مع انهيار “سيليكون فالي” و “كريدي سويس” تستمر الخشية من أزمة مالية عالمية جديدة رغم التحرك السريع من جانب البنوك المركزية لمنع ذلك.
بعد أقل من عقد ونصف على أزمة 2008 المالية العالمية الطاحنة، التي وضعت النظام المالي الرأسمالي برمته على المحك، نشهد اليوم معالم أزمة جديدة تبدو حتى الساعة أقل حدة من سابقتها، ومن المفارقة هنا أن بطلي الأزمة هما بنكان كانا يمثلان علامة نجاح في الرأسمالية الأمريكية والأوروبية. فبنك “سيليكون فالي”، الذي يحمل اسم وادي السيليكون في كاليفورنيا متخصص في دعم شركات التقنية العالية، محور عجلة التكنولوجيا والابتكار في الولايات المتحدة. أما البطل الثاني فهو بنك “كريدي سويس” السويسري العريق المتخصص في إيداع واستثمار أصحاب الملايين والمليارات، فمعروف بخبرة عريقة مكنته من الحصول على تصنيف أحد أهم البنوك في العالم وأنجحها.
مع تنوع الأزمات المتعاقبة والمستمرة منذ بداية هذا العقد بين جائحة صحية عالمية، وتدهور جيوسياسى شمل حربا على أرض أوروبية، وأزمة مناخ بتداعيات مدمرة للطبيعة والبيئة وأسباب المعيشة، وتدني الأداء الاقتصادى العام مع ارتفاع حاد في معدلات التضخم، وتراجع معدلات النمو والوقوع تحت مهددات الركود التضخمى، وتعرض بلدان نامية لمعضلات كبرى فى إدارة ديونها الخارجية، وباعتبار أن الأزمات لم تعد تأتى فرادى فأتت معها بصنف من الأزمات التي تكررت على مدى العقود الماضية، ألا وهى الأزمة المصرفية، وهى أزمة غير مفتقدة بحال بعد ما ألحقته بالعالم من نوائب كما حدث فى عام 2008، ولكن إرهاصاتها أطلت بقوة خلال الأيام الماضية لتسهم فى إرباك الأسواق، وتصيب مودعين ومساهمين فى عدة بنوك بالذعر.
وتماما كحال بنك ليمان براذرز عند سقوطه مشعلا فتيل الأزمة المالية العالمية، لم يسمع كثيرون عن بنك سيليكون فالى «إس فى بى» إلا بعد اضطراب أوضاعه المالية ثم تعرضه للإفلاس.
عرف الناس بعد ذلك أن البنك المتهاوي، هو السادس عشر فى ترتيب البنوك الأمريكية، وأنه استمر فى العمل لمدة 40 عاما متخصصا فى تمويل الشركات الناشئة فى مجالات التكنولوجيا والتطبيقات الرقمية، وشهد البنك قفزة فى أصوله المالية بنحو 3 مرات من 70 مليار دولار فى 2019 إلى ما يقترب من 210 مليارات دولار خلال أقل من 3 سنوات.
ويسيطر مودعو الجملة من المؤسسات والصناديق المالية على ودائعه بإجمالى 170 مليار دولار، منها 4 مليارات دولار لمودعين أفراد، ومع انتشار أخبار تعرض الشركة الأم للبنك لخسارة مقدارها 1.8 مليار دولار فى آخر عام 2022، وتعثر البنك فى جمع 2.25 مليار دولار من خلال طرح أسهم لتعزيز رأسمال، تعرّض البنك لهجوم من مودعيه سحب ما يزيد على 40 مليار دولار فى خلال يوم واحد. واشتدت حدة الأزمة بإعلان تعثر بنك سجنتشر بنيويورك ذى الأصول المالية البالغة 118 مليار دولار، والذى عانى أخيرا من مشكلات فى إدارته، منها زيادة نسبة الودائع غير المؤمنة، وزيادة نسبة الأصول المالية المشفرة فى عملياته، وكذلك فى التزاماته حتى بلغت 30 في المائة من إجمالي الودائع. وتعرّض البنك الذي تأسس منذ أكثر من عقدين لسحب مفاجئ من ودائعه بلغ 10 مليارات دولار فى يوم واحد.
وفي أثناء تواترت الأنباء من أوروبا تداعى أوضاع بنك كريدي سويس السويسري، وهو بنك قديم كبير الحجم بما جعله فى قوائم البنوك المصنفة، وفقا لاعتبارات المخاطر النظامية العالمية، أى إن سقوطه قد يؤدى إلى مخاطر على النظام المالى العالمى بتأثير قيمة تعاملاته وتشابك ارتباطاته الدولية، وقد تعرض بنك كريدى سويس أخيرا لسلسلة من المشكلات مع توقعات باستمرار خسائره، ورفض كبار المساهمين فيه تعزيز رأس ماله بما خفض تصنيفها الائتماني وتقييمه السوقي مع تقلب عنيف في أسعار أسهمه، وارتفاع حاد فى تكاليف تمويل نشاطه من خلال إصدار سندات فى الأسواق المالية.
أما ما سيئول إليه وضع البنك المفلس فيختلف من حيث طريقة المعالجة، وإن كان هناك اتفاق فى الحالتين الأمريكية والسويسرية على حماية المودعين بالكامل دون ضرر.
تداعيات التأخر فى التقييد النقدى ثم الرفع المتسارع لأسعار الفائدة:
بعد فترة من التيسير المالي المفرط إبان التعامل مع الجائحة أصابت الأسواق النقدية والمالية باضطرابات مع ردود أفعال عنيفة فى حركة المحافظ المالية، وانتقال الأموال من وعاء إلى آخر بسرعات تجاوزت قدرة بعض المؤسسات المالية على إدارة السيولة ومخاطر الاستثمار، حيث تعرضت بعض المحافظ لانخفاض حاد فى قيم السندات طويلة الأجل المحتفظ بها مع رفع أسعار الفائدة، وتعرّضَ مستثمرون وعدة مؤسسات مالية لخسائر، خصوصا مع هروب إيداعات إلى العوائد الأعلى بأوعية مالية جديدة.
و فى ظل أجواء مختلفة أكثر استقرارا لم تكن تبالى السلطات النقدية والمالية فتبادر بنجدة مودعى بنك سيليكون فالى أو بنك سجنتشر، وتركوا للتعامل مع الآليات الموجودة بتغطية جزئية للودائع حتى 250 ألف دولار، ثم انتظار قسمة أصحاب الحقوق بعد تصفية البنك إن تبقى من أصوله ومقوماته ما يستحق.
ولكن عوامل ثلاثة تدور حول أثر العدوى عجلت بتدخل السلطات الاقتصادية الأمريكية:
_ أولها دروس الأزمة المالية العالمية والخبرة التعيسة مع ترك بنك ليمان براذرز ليسقط فى عام 2008 مخلفا وراءه مدمرات الثقة أسهمت فى اشتعال الأزمة المالية العالمية من خلال أثر العدوى وهلع الأسواق.
_ وضع الإقتصاد الضعيف الذى يواجه تضخم ويصارع احتمالات تراجع النمو والوقوع في براثن الركود التضخمى، فضلا عن تحديات سياسية واقتصادية أخرى تأتي على أعتاب انتخابات جديدة فى الولايات المتحدة جعلت الحكومة تؤثر السلامة باحتواء أزمة جديدة قبل استفحالها.
_ تجاوب مع سرعة تداول الأخبار والتحليلات المصحوبة بمطالب الحسم السريع قبل انتشار العدوى فعلا.
بعد الأزمة المالية العالمية حددت القوانين 250 مليار دولار من الأصول المالية تعريف البنوك الكبيرة التى قد يترتب على الخلل فيها مخاطر «نظامية» على سائر القطاع المالي، وتخضع هذه البنوك لإشراف مدقق واختبارات دورية إضافية على سلامتها وتوفر السيولة بها وقدرتها على مواجهة الصدمات.
وسعي بنك سيليكون فالى عام 2018 مع جهات أخرى لتعديل القانون لإعفائه من هذه القيود بتعديل يستثنى البنوك التى تقل أصولها عن 250 مليار من هذه القيود الرقابية، باعتبار أنه لا يشكل مخاطر نظامية.
ورغم ذلك بعد سقوط البنك اعتبر هو وبنك سجنتشر من هذا التصنيف للبنوك الكبيرة، حتى يمكن إنقاذ مودعيهما. والطرفة الأخرى للرقم 250 هى ما تحدده قواعد التأمين على الودائع، بأن تضمن ما لا يتجاوز 250 ألف دولار كحد أقصى للمودع. ولكن فى وقت الأزمة اضطرت السلطات النقدية لضمان جميع المودعين والإيداعات من دون حد أقصى.
وفي تدخل غير مسبوق من السلطات النقدية والمالية للتعامل مع مواجهة المشكلات الاقتصادية والمالية الحادة ينبغي التدخل السريع الفعال وإلا تحولت لأزمة، أما إذا كان التدخل الحكومى فاشلا فسوف تتحول المشكلات لكوارث ممتدة الأذى، وفى هذه المرة كان التدخل حاسما لتهدئة الأسواق، وبث الثقة فى مودعى البنوك، ومنع تدهور الأوضاع بما يحاكى أزمة 2008 أو ما هو أسوأ.
وتم الإعلان عن حماية جميع الودائع لبنك سيليكون فالى وكذلك بنك سجنتشر، والتكلفة تتحملها الهيئة الفيدرالية للتأمين على الودائع، وإتاحة آلية مالية بالبنك الفيدرالى بالتنسيق مع وزارة الخزانة، لتوفير السيولة العاجلة المطلوبة فى حالة زيادة الطلب على الودائع بما لا تضطر البنوك لبيع أصولها المالية فجأة.
مع تدخل السلطات الرقابية السويسرية لتنسيق استحواذ بنك “يو بى إس” على بنك كريدى سويس مقابل 3.23 مليار دولار مع إتاحة مائة مليار دولار من البنك المركزي السويسري للبنك المستحوذ وفقا لما أوردته صحيفة «فاينانشيال تايمز» لتيسير عملية الاستحواذ والوفاء بالالتزامات.
وعقد البنك الفيدرالى اتفاق مع البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية في المملكة المتحدة واليابان وكندا وسويسرا لإتاحة خط مبادلة يومى لإتاحة السيولة الدولارية للأسواق المالية حال الحاجة إليها، على أن يعمل بذلك فورا حتى نهاية شهر أبريل، مما أدي هذا إلي سرعة التدخل لحماية النظام المالى الذى يعد فى مجمله أكثر متانة وملاءة مما كان عليه الوضع قبل الأزمة، لكن سيظل النظام المالى محل اختبار لقياس صلابته فى التعامل مع الصدمات.
وستكون هناك تحقيقات لأسباب ما حدث فى البنوك المذكورة ومراجعة السبب وراء حدوث ذلك و هل حدث هذا القصور فى نظم الرقابة… أم تقصير فى تطبيقها؟
وسيكون هناك نقاش حول الحد الذى يمكن الاتفاق عليه لاعتبار البنك المعنى مؤثرا على سلامة النظام المالى ومخاطره، وحول فاعلية نظم التأمين على الودائع.
ومن جانب آخر يستمر البنك الفيدرالى فى اتجاه الرفع المتوقع فى حدود ربع نقطة مئوية وتأكيد عزمه على السيطرة على التضخم، وإرسال إشارة بأن الوضع المالى مستقر ولا يستدعي تغييرا في السياسة النقدية المرسومة، وسيكون أثر هذا على الاقتصاد الحقيقي انكماش بتراجع الطلب من خلال تقييد الائتمان مرة من خلال سعر الفائدة ومرة أخرى باتباع البنوك والرقباء عليها إجراءات أكثر تمحيصا وحرصا فى استثماراتها، وتوجيه أصولها المالية وإدارة محافظها.
اضغط هنا للوصول الى التقويم الاقتصادي الخاص بنا
شيرين رامي.
محللة فنية في الأسواق العالمية.
إخلاء المسؤولية: يتم توفير هذه المادة كتواصل تسويقي عام بهدف المعلومات فقط ولا تشكل بحثًا استثماريًا مستقلاً. و لا يوجد في هذا الاتصال ما يحتوي نصيحة استثمارية أو توصية استثمارية أو التماس لغرض شراء أو بيع أي أداة مالية. حيث ان يتم جمع جميع المعلومات المقدمة من مصادر حسنة السمعة وأي معلومات تحتوي على مؤشر للأداء السابق ليست ضمانًا أو مؤشرًا موثوقًا للأداء المستقبلي. يقر المستخدمون بأن أي استثمار في المنتجات ذات الرافعة المالية يتميز بدرجة معينة من عدم اليقين وأن أي استثمار من هذا النوع ينطوي على مستوى عالٍ من المخاطر يتحمل المستخدمون وحدهم المسؤولية عنها. ولكن نحن لا نتحمل أي مسؤولية عن أي خسارة تنتج عن أي استثمار يتم بناءً على المعلومات الواردة في هذا الاتصال. و يجب عدم إعادة إنتاج هذا الاتصال أو توزيعه بشكل أكبر دون إذن كتابي مسبق منا.